
في ذكرى النكبة.. باقون هنا سبعون عاماً وكل شيء يتهيأ إلى ذاكرة النكبة الفلسطينية عام 1948، وما زال الوجع منصوباً فوق كل عنق فلسطيني، والفلسطينيون يمرون فوق حافة المغامرة ومفارق الطرق وخيام اللجوء وملاحقة حراس الحدود. سبعون عاماً نتنقل قسراً من لجوء الى لجوء، ومن نفي الى نفي، ومن محنة إلى محنة أشد إيلاماً. سبعون عاماً نحاول الخروج من نص الهزيمة العربية، ونسأل دون ملل عن أسرار العودة. وفي كل مصاب يهدد حضورنا نزيد تشبثاً بمفاتيح بيوتنا القديمة ونحلم بالعودة والانحياز إلى دائرة الضوء، سبعون عاماً ورواية المغتصب المحتل تزيد ضمائر المنكوبين قهراً وشغفاً في يوم الانتصار، والهروب من أخدود الملح إلى صحوة التحليق، وكلما ازدادت طريق العودة وعورةً ازداد الفلسطيني بوهج ثورة أخرى. فكان الحلم الفلسطيني يخرج إلى شوارع المخيمات في صورة قديس وزيتون وأقواس قزح. كانت لحظة فارقة، تلك التي هُزمت فيها أمة عربية كاملة لتترك الفلسطينيين وأرضهم وسهولهم وجبالهم وقراهم وروابي مدنهم ضحيةً لهزيمتهم. فغاصت بلادنا في وسط مأتم الهزيمة العربية المريرة. فهي نكبة لأنها أخرجت أهل الأرض بغير موعد إلى رحلة لم تنته بعد. فهي رحلة البرد والتشريد والرحيل عن الوطن. سبعون عاماً من كل هذا الدمار النفسي والمعنوي والمادي. ومن تعاقب الوجع واللجوء على أجيال فلسطينية. ورغم ذلك، عاش الفلسطينيون على هدى هذه النكبة بتفاصيل توهجت فيها الثورة، والاشتعال، وآمنوا بزمن فلسطيني تتغير فيه اليد المرتعشة الى زند يحمل المدفع والرشاش والبارود، فجاءت لحظة إغراء الأرض للدم النقي، لحظة قابلة لتحقيق النصر، وكان الشرق العربي بحاجة إلى استجماع كرامته التي طُحنت تحت اللكنة العبرية الطارئة، فكانت اللحظة التي دافعت فيها فلسطين عن أرضها من جديد، وقامت تُذكر العالمين بأن مواسم الخصوبة لم تنته، وكشفت لنا هذه اللحظة أن الصبح ليس ببعيد، كان الدم يقطر من جسد فلسطين، فكان "الكي بالرصاص" الحل لوقف النزيف. ووعد الله أن المرابطين على أرض الاسراء قائمون وثائرون وحالمون وفي كل أذن للخارجين كرهاً من حدود الوطن. كان صوت قرآننا: "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال"، فكان لا بد لميعاد ولادة مقاتلين من نوع فلسطيني بإمتياز. إن مشوار كرامتنا بعد النكبة شكل رمزاً مكثفاً من رموز العشق الصوفي بين الانسان المطرود، وبين تراب اعتاد أن يطرح زيتوناً وسنابلاً ونكهات قهوة عربية وفرساناً وحطيناً وجالوتاً وأجناديناً، كان اللحظة المهمة لإغلاق حوانيت اليهود المهاجرين الذين يبيعون قوارير الموت للعرب، ويصرون أن يغلقوا ذاكرتنا ويعلنونها للبيع في مزاد علني. إن ما بعد النكبة –حالة الثورة الفلسطينية-هي اللحظة التي دفعت العدو الصهيوني الى مأزقه التاريخي، اللحظة التي ثقبت سقيفة وعد يهوه لإبراهيم، اللحظة التي شقت بعصاها حلم اليهود إلى نصفين وأكثر، وأسقطت عليهم احتمالات الغرق في الدم الذي سفكوه، اللحظة التي صرخ فيها الفرسان بحد سيوفهم فوق قارعة المستوطنات المدججة بالأسلاك الشائكة والبنادق المخبأة خلف أبراج المراقبة، إنها لحظة التوازن والتهيؤ للانتصار، ومقارعة السيف المصنوع في عواصم الثلج والعيون الزرقاء. كانت لحظة الجبل. وياسر وخليل وصلاح. واحمد وماجد وعبدالفتاح وممدوح وصخر، والأطفال، والمطر، والشمس، والأقمار، والإشارة الاولى. كانت اللحظة التي توزع المقاتلون فيها على أطراف الوطن، وقرب ساحة الاقتحام، لحظة تجهيز الصواعق، ورسامو خريطة العودة على مواقع قبورهم، إنها اللحظة الفاصلة بين الاكراه في الخروج من الوطن والتحفز لصناعة ميلاد جديد، صدى صفير الأر بي جي، ومعركة المشاة وقناديل يافا، وبرقيات أبو عمار على جهاز اللاسلكي. واليوم يستفيق الشيطان الامريكي حليف الشيطان الصهيوني مرة أخرى، ليزيد من غصة إحياء ذكرى النكبة هذا العام تزامنها مع تنفيذ قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بعد توقيع "ترامب" في السادس من ديسمبر/كانون الأول الماضي قراراً يعترف فيه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويدعو لنقل السفارة الأميركية إليها. انها دعوة إلينا مرة أخرى للخروج من تيه شقاقنا، والتصالح مع أنفسنا، والاتفاق على مشروع للمقاومة، والتوافق على حالة الثورة مرة أخرى. إلى أن يتمكن هؤلاء الذين كتب لهم أن يرحلوا، أن يعودوا من كل فج عميق. إلى هنا..إلى فلسطين. وإنها لثورة حتى النصر مجلس نقابة العاملين جامعة الأزهر-غزة 14-5-2018