عرض تفاصيل البحث



المجلد مجلة جامعة الأزهر , سلسلة العلوم الإنسانية , ديسمبر 2001 , مجلد4, عدد1
تاريخ النشر 2001
عنوان البحث

الشعراء الذين نسبوا لأمهاتهم حتى نهاية العصر العباسي الثاني

ملخص البحث

تقديم : هناك طائفة كبيرة من الشعراء القدامى الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام نسبوا لأمهاتهم دون آبائهم، لأن أسماء أمهاتهم غلبت على أسماء آبائهم.  لذلك أصبحوا لا يعرفون في جميع المجالات الأدبية إلا بهذه النسب التي كانوا يدعون بها والتي تداولتها جميع المصادر.  وقد لصقت بهم هذه النسب، ولازمتهم طيلة حياتهم وبعد مماتهم، وذاعت وانتشرت وغلبت على أسمائهم الحقيقة التي اختفت وراء تلك الأسماء المستعارة التي استوت وأصبحت أسماءً لهم أو ما يشبه الأسماء، ينادونهم الناس بها، وكادت أن تكون أسماء لأصحابها.

ومعظم هؤلاء الشعراء لا تزال أخبارهم غير معروفة، ومعالم حياتهم غير مدروسة، لأن كثيراً من المصادر المعرفية العربية قد ضاعت أو ما تزال بعيدة عن التناول بسبب وجودها في مكتبات العالم، وتوزعها في الخزائن الخاصة.  وهي مراجع لها أهميتها في إثراء الفكر العربي، وإغناء المعرفة بروافد جديدة.

حتى أن كتب التراجم التي ذكرت بعض أخبار هؤلاء الشعراء، وبعض نماذجهم الفنية، لم تكن تعنى إلا بالشعراء المشهورين الذين يعرفهم جل أهل الأدب والذين يقع الاحتجاج بأشعارهم في الغريب وفي النحو وفي كتاب الله عز وجل وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. فأما الشعراء الذين اختفت أسماؤهم وقل ذكرهم، وكان لا يعرفهم إلا بعض الخواص، فلم يهتم بهم رواة الشعر العربي، لأنهم كانوا ينظرون إلى الشعر القديم على أنه وسيلة لأغراض لغوية، لا على أنه نتاج عصر متعدد الجوانب.

كما أن المصادر القديمة التي ترجمت للشعراء الذين نسبوا لأمهاتهم اكتفت بالترجمة المختزلة التي قد تكون أحياناً في سطور قليلة، كما كانت هذه التراجم متطابقة إلى حد بعيد إلا في بعض الزيادات التي قد نراها في قليل منها.  وكذلك فقد ظلت بعض هذه الكتب التي ترجمت لهم تقف عند بيت أو أبيات تستشهد بها، مكتفية بلقبه أو نسبه، وبعض الجمل القصيرة التي لا تخرج عن الجمل التي ترددت في المصادر الأساسية.

ويلاحظ أن بعض الترجمات تسقط أسماء في نسبهم، وتختلف في بعضها الآخر، ولكنها كانت تجمع على أن هؤلاء الشعراء نسبوا لأمهاتهم. وانفردت بعض المصادر بروايات فريدة لم نجدها إلا فيها، فاعتمدنا عليها كما أن معظم المصادر لم تشر لتواريخ ميلادهم أو وفاتهم.

وتؤكد المصادر الأدبية التي ترجمت لهم أو استشهدت بأشعارهم أو روت أخبارهم، بأن أكثرهم كان من الشعراء المقلين.  وقد انحصرت أغراض بعضهم في بعض قصائدهم المشهورة أو أبياتهم المعروفة التي عالجت بعض إحساساتهم النفسية التي كانوا يعانون منها، ويشعرون بضغطها عليهم، وهم يخوضون تجاربهم في حياتهم.

ووجدت أن أشعار بعضهم لا تقل روعة ولا إبداعاً عن كثير من القصائد التي أخذت حجمها في الدراسة، ومجالها في التحليل، وصورتها في تطلعات العصر.  وقد أعجب كثير من الرواة والباحثين بقصائدهم التي وجدوها من روائع الشعر العربي، كما وجدوا فيها صور تدفق العاطفة، التي ظلت حية في أبياتهم.  ومع هذا، فمعظم هؤلاء الشعراء ظلوا بعيدين عن الدراسة، غرباء على عصور الأدب العربي، لا يستغرقون من الباحثين إلا سطوراً قليلة، ولم تخضع أشعارهم للدراسة والتحليل.

كما أن كثيراً منهم لم تحدد مراتبهم أو طبقاتهم في الترتيب الفني، وهم أيضاً لم يذكروا في دراسة مستقلة، ولم يوضعوا في المواضع المستحقة، ولم يضموا إلى فئة، ولم يعرفوا في مجموعة، أو يحصروا في اتجاه.  فقد توزعت قصائدهم على الرغم من المنزلة الشعرية التي تمتع بها بعضهم.

لقد كانت أصداء حياة بعض هؤلاء الشعراء لوحة شعرية تضاف إلى لوحات الشعر العربي.  ولكننا وجدنا أن قصائدهم قد تناثرت، وأن حياتهم قد توزعت. كما تبددت أخبارهم، فسحقتهم موجة الاهتمام التقليدي بالشعراء المشهورين.  وألقت عليهم أنماط الدراسة أستاراً من النسيان.  فضاعت إبداعاتهم في ظل العزلة، وعزلت تجربتهم في حدود المجانبة والابتعاد.

ومن هنا فإن قصائد هؤلاء الشعراء تستحق أن تدرس بشكل جدي ليأخذوا صورتهم في المجرى العام للأدب العربي، ولتأخذ قصائدهم حجمها في السياق العام لقصائد الشعر العربي التي عرفت.  لأن دراستهم ووضعهم في المواضع التي يستحقونها في عصورهم التي عاشوها، تضيف خصائص لتلك العصور، وتقدم نماذج فنية رائعة.

إن إحياء هذه المجاميع من الشعراء وتقديم الدراسة التي تتحدد في إطارها توجهاتهم الفنية، ومواقفهم الفكرية، وروائع حياتهم الإنسانية، تضيف إلى الأدب العربي رافداً جديداً، وتقدم لدارسيه نماذج ظلت غير منظورة آماداً طويلة.

إن كثيراً من الشعراء الذين نسبوا لأمهاتهم ترددت قصائدهم في المحافل، وامتدت شهرتهم إلى كل مكان، وبقيت أبياتهم موضع استشهاد طيلة حياتهم وبعد مماتهم، تعبـر الزمن بلا حواجز، وتدخل القلوب بلا استئذان، وتصل إلى كل نفس أمضها الشوق، ولوعها الهوى، وأضر بها الجفاء والصدود.

ولقد سجل كثير منهم من أمثال: المغيرة بن حبناء وخفاف بن ندبة، وحميد بن طاعة مواقف بطولية رائعة، وهم يدافعون عن الأرض، ويسجلون وقائع الأحداث، ويبثون في نفوس المقاتلين روح العزيمة، ويؤكدون قدرتهم على الثبات، والانتصار على أعدائهم، وهم يصارعون قوى البغي، ويدافعون عن كرامة الأمة، ويرسمون لمستقبلها المشرق صورة الإنسان الجديد.

ومن الدوافع الرئيسية التي حملتني على هذه الدراسة أن كثيراً من دارسي الأدب عند دراستهم الشعر العربي القديم، لم يأخذوا مواقف هؤلاء الشعراء بنظر الاعتبار، ولم يدرسوا حياتهم ضمن الإطار العام لاتجاهات الشعر العربي، على الرغم من تغني الدارسين ببعض الأبيات الرائعة لهؤلاء الشعراء، والتي تميزت برقة ألفاظها، وحسن تراكيبها، وبراعة الصور التي اختاروها.

إن هذه الدراسة تقدم للباحثين والدارسين نموذجاً من أولئك الشعراء الذين لم يبتعدوا عن ضمير أمتهم، ولم يعيشوا بعيدين عن أحداثها الكبار التي ظلت رمزاً من رموز الاعتزاز، وصورة من صور الفخر، فكانوا رواد فكر، ودعاة مجد مؤثل. وستظل لمحات هؤلاء الشعراء والمضامين الاجتماعية والثقافية التي عبروا عنها، تمثل التوجه الاجتماعي الذي كان المجتمع يشق طريقه إليه. كما كانت أعمالهم واجهة فكرية واضحة، ارتسمت من خلالها خطواتهم البناءة، وتحددت في مجال أعمالهم أعلامها البارزة.

إن محاولتي لدراسة هؤلاء الشعراء الذين نسبوا لأمهاتهم تأتي ضمن اهتمامي بدراسة الشعراء الملقبين بكلمة وردت في بيت من أشعارهم، وهذا كثير شائع، أو بمشهور من أفعالهم غلب على أسمائهم، أو بعلامات فيهم، أو بظاهر من لونهم.

ومن هنا جاء هذا البحث ليتناول هذه الباقة من الشعراء الذين غلبت أسماء أمهاتهم على أسماء آبائهم، فنسبوا لأمهاتهم، والذين لم تكتب عن كثير منهم دراسة.  فقد استقصيت الأسباب التي دعت إلى لصوق هذه النسب بهم، وتعقبت ما تفرق من أخبارهم في المصادر الأدبية، ومعاجم التراث.  وأضفت إلى كل ذلك رؤية، وترتيباً، وتعريفاً، مما أكسب البحث أبعاداً، وزاد من قيمة عمله.

وسأقدم في هذا البحث نتفاً من أخبار هؤلاء الشعراء، وأطرافاً من أشعارهم، لعل الباحثين والدارسين أن يفيدوا منها لما تحمله من معان تضيف إلى التراث الشعري لوناً جديداً، وصوتاً إنسانياً كريماً.  وهذه الدراسة لا تحتمل الإسهاب والإطالة، لأنني لو تقصيت كل أخبارهم وأشعارهم لطالت وخرجت عن حد القصد.  ومن هنا وجدت الاختصار والإيجاز عين الصواب، فذكرت ما كان من نسبهم، والمأثور من أشعارهم. كما اخترت عدداً من أعلام هؤلاء الشعراء ومجيديهم، وترجمت لهم ترجمة موضوعية، وذلك من أمثال: ابن الحدادية، وابن الرميلة، وابن السلكة، وابن الطثرية، وابن ميادة. وكما رتبت جميع الشعراء  الذين نسبوا لأمهاتهم بحسب حروف الهجاء.

وبعد، فلقد بذلت قصارى جهدي في جمع مادة هذه الدراسة، حباً في العلم، وإخلاصاً للبحث، ورغبة في الفائدة، ورجاء في القبول، حتى استوى لي على صورة طيبة تنفع الدارسين في مجال الدراسات الأدبية عامة.  ولست أدعى أنني بالغ درجة الكمال في هذا البحث، وأنه سيكون مبرءاً من العيوب، ولكنني أقول إني حاولت أن أخدم الموضوع وألم بجوانبه، ولم أبخل بجهد أستطيعه ليخرج هذا البحث في صورة مرضية، والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

لغة البحث عربي
الباحثون

عثمان محمد العبادلة

   

البحث العلمي

  • كلمة عميد البحث العلمي
  • أهداف البحث العلمي
  • الرؤية و الرسالة
  • نظام البحث العلمي
  • مجلس البحث العلمي

مجلة العلوم الطبيعية

  • هيئة تحرير مجلة العلوم الطبيعية
  • قواعد النشر
  • إجراءات تسليم البحث
  • الأعداد الصادرة

مجلة العلوم الإنسانية

  • هيئة تحرير مجلة العلوم الإنسانية
  • قواعد النشر
  • إجراءات تسليم البحث
  • الأعداد الصادرة